يُعد بند توزيع الأرباح والخسائر من أهم البنود التي يجب الانتباه لها عند تأسيس أي شركة أو شراكة تجارية. ورغم ما يبدو عليه من بساطة، فإن كثيراً من النزاعات التي تنشأ بين الشركاء يكون أصلها غموض أو إهمال هذا الجانب في العقد التأسيسي.
في هذه المقالة نسلط الضوء على كيفية تنظيم هذا البند وفقاً لنظام الشركات السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/132) لعام 1443هـ، ونقدم تصوراً قانونياً عملياً لتفادي الخلافات المستقبلية بين الشركاء.
أولاً: الإطار النظامي لتوزيع الأرباح والخسائر
ينص نظام الشركات السعودي صراحةً على أن الأصل هو اتفاق الشركاء على طريقة توزيع الأرباح والخسائر، وفي حال غياب هذا الاتفاق، يتم التوزيع حسب نسبة كل شريك في رأس المال.
جاء ذلك في المادة (15) من النظام، والتي تنص على:
“يُحدد عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس طريقة توزيع الأرباح والخسائر، فإذا لم يتضمن العقد أو النظام الأساس حكماً في هذا الشأن، توزع الأرباح وتتحمل الخسائر بنسبة حصة كل شريك في رأس المال”.
ويعني ذلك أن النظام يمنح مرونة كاملة للشركاء طالما كان هناك اتفاق مكتوب، وفي حال غيابه تُطبّق النسبة الرأسمالية تلقائياً.
ثانياً: مدى جواز الاتفاق على نسب مختلفة من الأرباح والخسائر
من المسائل التي تثير التساؤلات لدى الكثير من الشركاء:
هل يمكن الاتفاق على توزيع الأرباح والخسائر بنسب تختلف عن نسب المساهمة في رأس المال؟
الجواب: نعم، يجوز ذلك.
النظام لا يشترط تطابق النسب، بل يترك المجال لاتفاق الأطراف، شرط ألا يكون الاتفاق باطلاً أو مجحفاً أو مخالفاً لمبدأ العدالة.
على سبيل المثال:
– يمكن الاتفاق على منح شريك إداري نسبة أعلى من الأرباح مقابل توليه المهام التشغيلية.
– يمكن إعفاء شريك ممول من بعض أنواع الخسائر مثل (الخسائر التشغيلية)، بشرط ألا يتحمل شريك آخر الخسائر وحده.
ومع ذلك، لا يجوز أن يُعفى أحد الشركاء من الخسارة تماماً، ما لم يكن شريكاً غير مالك (كأن يكون موظفاً فقط)، لأن ذلك يخالف المبادئ النظامية في الشراكة.
ثالثاً: كيف تُنظم بند الأرباح والخسائر في العقد؟
لضمان سلامة الاتفاق وتجنّب الغموض، يُنصح بتضمين التفاصيل التالية في عقد التأسيس أو اتفاقية الشراكة:
- النسب الدقيقة لتوزيع الأرباح والخسائر لكل شريك.
- توقيت التوزيع: سنوي؟ ربع سنوي؟ حسب قرار الجمعية؟
- آلية اتخاذ القرار بشأن التوزيع (بأغلبية الشركاء، أو بالإجماع).
- التعامل مع الخسائر التراكمية أو المرحلة من أعوام سابقة.
- وضع خاص للشركاء غير العاملين أو الشركاء المستثمرين فقط.
وجود هذه العناصر يضمن وضوح الالتزامات، ويُقلل من احتمالية النزاعات الناتجة عن اختلاف الفهم أو التقدير.
رابعاً: أخطاء شائعة في صياغة هذا البند
رصدت الممارسة العملية عدداً من الأخطاء القانونية المتكررة في هذا الجانب، منها:
– استخدام عبارات غامضة مثل: “توزع الأرباح والخسائر حسب ما يراه الشركاء مناسباً”.
– إهمال توثيق الاتفاق كتابياً والاعتماد على تفاهمات شفوية.
– تجاهل بيان الخسائر في العقد والتركيز فقط على الأرباح.
– عدم تحديث نسب التوزيع عند دخول شريك جديد أو خروج آخر.
هذه الأخطاء قد تُضعف موقف أحد الشركاء قانونياً في حال نشوء خلاف، وقد تؤدي إلى بطلان بعض بنود العقد أو الحاجة إلى تدخل قضائي لتفسيرها.
خامساً: ما أثر الخلاف في هذا البند على استقرار الشركة؟
الخلافات المتعلقة بتوزيع الأرباح ليست فقط خلافات مالية، بل قد تتسبب في:
– تجميد الأرباح وتأجيل التوزيع.
– تعطيل قرارات إدارية مهمة.
– فقدان الثقة بين الشركاء.
– اللجوء إلى القضاء أو التحكيم، وربما حلّ الشركة إن تعذّر الاتفاق.
لذلك، يُعد التنظيم المبكر والواضح لهذا البند أحد مفاتيح استدامة الشراكات التجارية ونجاح الشركات الناشئة على وجه الخصوص.
خاتمة:
توزيع الأرباح والخسائر ليس مجرد بند تقني في عقد الشراكة، بل هو مرآة للعدالة التنظيمية داخل الشركة.
وتنظيمه بوضوح منذ البداية يحمي الشركاء، ويمنح بيئة العمل استقراراً وثقة، ويُجنّبهم الدخول في دوامة نزاعات قانونية مكلفة.
وفي ظل المرونة التي يتيحها نظام الشركات السعودي، بات من الضروري أن يستعين الشركاء بمستشار قانوني عند صياغة هذا البند لضمان اتساقه مع النظام وواقع العمل.
Add a Comment