من يملك الفكرة داخل الشركة - مقال- بن عرفهai

من يملك الفكرة داخل الشركة؟ المؤسس؟ الموظف؟ الشريك؟

مقدمة:

في بيئة الشركات الناشئة والصناعات المعرفية المتنامية في المملكة العربية السعودية، يُطرح سؤال قانوني متكرر: من يملك الفكرة أو الابتكار الذي وُلد داخل الشركة؟

هل تعود ملكيته للمؤسس لأنه صاحب المبادرة؟ أم للموظف الذي طوّر الفكرة؟ أم أن الشركاء جميعاً يتقاسمون هذا الحق؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب فهماً دقيقاً للإطار القانوني المنظّم للملكية الفكرية في السعودية، خصوصاً في ظل الأنظمة الحديثة، مثل: نظام العمل، ونظام الشركات، ونظام براءات الاختراع، ونظام حماية حقوق المؤلف.

 

أولاً: الفكرة لا تُحمى قانونياً… ولكن

من المهم بدايةً التمييز بين الفكرة المجردة والتجسيد الملموس للفكرة.

بحسب نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/27) لعام 1425هـ وتعديلاته، وكذلك نظام حماية حقوق المؤلف:

لا تُعد الفكرة بذاتها محلاً للحماية القانونية، ما لم يتم تحويلها إلى صيغة ملموسة قابلة للتطبيق (كمنتج، برنامج، مخطط، نموذج صناعي، أو صياغة أدبية أو فنية).

بالتالي، مجرد التفكير في مشروع أو تطبيق أو منتج جديد لا يكفي للمطالبة بالحماية النظامية، ما لم يُترجم هذا التصور إلى شيء يمكن إثباته أو تسجيله رسمياً.

 

ثانياً: ملكية الابتكار في سياق العلاقة الوظيفية

ينظّم نظام العمل السعودي العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، لكنه لا يتناول الملكية الفكرية بشكل تفصيلي، لذا يُستكمل بالرجوع إلى أنظمة الملكية الفكرية.

وبحسب نظام براءات الاختراع (المادة 10)، فإن:

“لصاحب العمل الحق في براءة الاختراع إذا كان الاختراع قد نتج عن تنفيذ العامل لالتزاماته الوظيفية أو بناء على تعليمات صادرة من صاحب العمل.”

وعليه، فإن ما يُنتجه الموظف أثناء فترة عمله، وبسبب طبيعة وظيفته، أو باستخدام موارد الشركة (أجهزة، بيانات، تمويل)، يُعد ملكاً لصاحب العمل، ما لم يُنص في العقد على خلاف ذلك.

أما إذا قام الموظف بابتكار شيء خارج نطاق عمله، دون الاستعانة بموارد الشركة، ودون علاقة مباشرة بمهامه، فالابتكار يعود له شخصياً، وله الحق في تسجيله باسمه.

مثال تطبيقي:

– إذا طوّر موظف في شركة برمجيات خوارزمية ضمن مشروع كُلِّف به رسمياً، فالشركة هي المالكة.

– أما إذا طوّر نفس الموظف مشروعاً جانبياً خارج أوقات العمل وبشكل مستقل، فله الحق في ملكيته، بشرط ألا يتعارض مع سياسات الشركة أو يسبب تضارب مصالح.

 

ثالثاً: ملكية الفكرة بين الشركاء والمؤسسين

في الشركات الناشئة، غالباً ما يتم تأسيس الشركة بناءً على فكرة ابتكرها أحد المؤسسين. وهنا تظهر الإشكالية: هل الفكرة تظل ملكاً لصاحبها بعد تأسيس الشركة؟ أم تنتقل إلى الكيان الاعتباري؟

الإجابة تعتمد على وجود اتفاق صريح في عقد التأسيس أو اتفاقية الشركاء.

إذا نُقلت الفكرة رسمياً إلى الشركة، فإنها تصبح جزءاً من أصول الشركة وتُعامل كملكية فكرية تابعة لها.

أما إذا لم تُنظَّم هذه النقطة، فقد تحدث نزاعات قانونية، خصوصاً في حال انسحاب أحد الشركاء أو بيع الشركة لمستثمر جديد.

تنظيم هذه العلاقة يتطلب:

– نصاً صريحاً في عقد التأسيس يحدد ملكية الأصول غير الملموسة (العلامة، الفكرة، التقنية، النموذج…).

– اتفاقاً بين الشركاء على نقل حقوق الملكية الفكرية إلى الشركة، سواء بمقابل أو كجزء من المساهمة العينية.

 

رابعاً: التوصية القانونية

لتجنّب النزاعات في المستقبل، يجب على رواد الأعمال ومؤسسي الشركات:

  1. تنظيم ملكية الفكرة والعناصر الفكرية الأخرى في اتفاقية التأسيس، سواء أكانت العلامة التجارية، أو خطة العمل، أو النموذج الأولي.
  2. إدراج بند صريح في عقود العمل ينص على نقل حقوق الملكية الفكرية للشركة، في حال كان الابتكار جزءاً من الوظيفة.
  3. تسجيل المنتجات، البرمجيات، التصاميم، أو العلامات رسمياً لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية (SAIP) لضمان حماية قانونية قوية.
  4. استخدام اتفاقيات عدم الإفصاح (NDA) قبل عرض الفكرة على مستثمر أو متعاون خارجي، لحماية المعلومات الحساسة.

 

خاتمة:

ملكية الفكرة داخل الشركة ليست أمراً بديهياً، بل قضية قانونية حساسة يُفترض أن تُنظَّم منذ اللحظة الأولى لتأسيس العلاقة، سواء كانت علاقة شراكة أو توظيف.

إن تجاهل هذا الجانب قد يؤدي إلى نزاعات مريرة بين الشركاء أو بين الشركة وأحد موظفيها، مما يُهدد استقرار المشروع وربما وجوده بالكامل.

في ظل الأنظمة السعودية المتقدمة لحماية الملكية الفكرية، أصبحت الأدوات القانونية متوفرة، ويبقى على أصحاب الأعمال توظيفها بالشكل الصحيح.

Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *